نحو أرض مثمرة: دعوة لحرث القلوب بنعمة الله

كيف نختار الأرض الصالحة لزرع الإيمان بعيدا عن الأشواك

الزرع والحصاد قانون إلهي يحكم الحياة الروحية كما يحكم الطبيعة. فكما لا يمكن للمزارع أن يتوقع حصادًا جيدًا دون أن يحرث أرضه ويزرع فيها البذور الصالحة، كذلك لا يمكننا أن نتوقع نموًا روحيًا إن لم نهيئ قلوبنا لاستقبال كلمة الله. في وسط مشاغل الحياة وهمومها، قد نجد قلوبنا قد امتلأت بالأشواك التي تعيق عمل الله فينا. لهذا، يدعونا الرب قائلًا:

"ٱحْرُثُوا لِأَنْفُسِكُمْ حَرْثًا وَلَا تَزْرَعُوا فِي ٱلْأَشْوَاكِ" (إرميا 4:3)

لماذا يدعونا الرب للحراثة؟

كنتُ أتساءل عن معنى دعوة الرب للحراثة، وماذا يقصد بالأشواك؟ لا شك أن للحراثة أهمية كبيرة في عملية الحصاد، فهي تُعدّ الأرض لاستقبال البذار الجيدة، إذ لا يمكن للزرع أن ينمو في أرض قاحلة ومليئة بالأشواك والحسك. بنفس الطريقة، كلمة الرب لا يمكنها أن تنمو في قلب ممتلئ بالشهوات والنجاسة والهموم العالمية، لأن الكلمة ستُختنق، وهذا ما ذكره الرب يسوع:
"وَٱلَّذِي زُرِعَ بَيْنَ ٱلشَّوْكِ فَهُوَ ٱلَّذِي يَسْمَعُ ٱلْكَلِمَةَ، وَلَكِنْ هَمَّ هَذَا ٱلْعَالَمِ وَغُرُورَ ٱلْغِنَى يَخْنُقَانِ ٱلْكَلِمَةَ فَيَصِيرُ بِلَا ثَمَرٍ." (متى13:7)

رؤية هوشع حول الحرث والزرع
النبي هوشع يعطينا فهمًا أعمق لمعنى الزرع والحراثة في حياتنا الروحية:

"ٱزْرَعُوالِأَنْفُسِكُمْ بِٱلْبِرِّ، فَٱحْصُدُوا بِحَسَبِ ٱلصَّلاَحِ. ٱحْرُثُوا لِأَنْفُسِكُمْ حَرْثًا، لِأَنَّهُ وَقْتٌ لِطَلَبِ ٱلرَّبِّ حَتَّى يَأْتِيَ وَيُعَلِّمَكُمُ ٱلْبِرَّ."(هوشع 10:12)

هوشع لا يتحدث فقط عن ضرورة الحرث، بل يركز على نوع الزرع: "ازرعوالأنفسكم بالبر". لكن ماذا يعني البر في الكتاب المقدس؟
· طاعة الناموس: السير وفق وصايا الرب والعيش في قداسة "لِأَنَّهُ لَيْسَ ٱلَّذِينَ يَسْمَعُونَ ٱلنَّامُوسَ هُمْ أَبْرَارٌ عِنْدَ ٱللهِ، بَلِ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ بِٱلنَّامُوسِ هُمْ يُبَرَّرُونَ" (رومية 2:13).

· الأعمال الصالحة: تجسيد المحبة والخدمة في حياتنا اليومية "لِأَنَّنَا نَحْنُ عَمَلُهُ، مَخْلُوقُونَ فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ لِأَعْمَالٍ صَالِحَةٍ، قَدْ سَبَقَ ٱللَّهُ فَأَعَدَّهَا لِكَيْ نَسْلُكُ فِيهَا" (أفسس 2:10).
· صنع العدل: البر لا يقتصر على العلاقة مع الله فقط، بل يمتد إلى علاقتنا بالآخرين. يقول ميخا: "قَدْ أَخْبَرَكَ يَا إِنْسَانُ مَا هُوَ صَالِحٌ وَمَاذَا يَطْلُبُهُ مِنْكَ ٱلرَّبُّ إِلَّا أَنْ تَصْنَعَ ٱلْعَدْلَ وَتُحِبَّ ٱلرَّحْمَةَ وَتَسْلُكَ مُتَوَاضِعًا مَعَ إِلَهِكَ" (ميخا 6:8).

معنى "فَإِنَّهُ وَقْتٌ لِطَلَبِ ٱلرَّبِّ"
هذه الآية تعبر عن دعوة إلهية عاجلة للتوبة والرجوع إلى الله. عندما يقول الرب "فَإِنَّهُ وَقْتٌ لِطَلَبِ ٱلرَّبِّ"، فهو يشير إلى لحظة حاسمة يجب فيها على الإنسان أن يدرك أن باب الرحمة مفتوح، ولكن لن يبقى مفتوحًا إلى الأبد. إن توقيت التوبة ليس غدًا أو بعد حين، بل الآن. يقول بولس الرسول:
"هُوَذَاٱلآنَ وَقْتٌ مَقْبُولٌ! هُوَذَا ٱلآنَ يَوْمُ ٱلْخَلَاصِ!" (2 كورنثوس 6:2) طلب الرب والتعلم منه الطلب هنا لا يعني مجرد صلاة شكلية، بل هو بحث جاد عن الرب بكل القلب. الله يريد أن يعلمنا البر، أي الحياة حسب مشيئته. البر ليس فقط معرفة نظرية، بل هو حياة تُعاش بقداسة وعدل ورحمة وتواضع وصدق والمساواة بين الناس، وهو يعبر عن الحياة التي تلتزم بمبادئ الله وتهدف إلى خدمة الآخرين.. يقول الرب في إشعياء:
"ٱطْلُبُواٱلرَّبَّ مَا دَامَ يُوجَدُ، ٱدْعُوهُ وَهُوَ قَرِيبٌ." (إشعياء 55:6)
عندما نطلب الرب بصدق،فإنه يفتح أعيننا وقلوبنا لنفهم طرقه. هذا هو الوقت المناسب لتطهير القلب من الخطية، وإعداد الأرض الروحية لاستقبال كلمته وتنفيذها عمليًا

معنى (يَأْتِيَ وَيُعَلِّمَكُمُ ٱلْبِرَّ)

الرب نفسه هو من "يعلّم"، وهذه ليست مجرد معرفة عقلية أو معلومات نظرية، بل تعليم إلهي ينبع من المحبة والحق. التعليم هنا ليس كأنك تتلقى محاضرة، بل هو مسار حياة، وتشكيل للنفس، وتجديد للذهن. الله لا يفرض البر فرضًا، بل يُعلّمه برفق، كأب يربي أولاده، ويوجههم إلى ما هو نافع وصالح لهم . البر في اللغة الكتابية هو أكثر من مجرد "أعمال صالحة" أو "أخلاق عالية". هو:

  • حالة من التوافق مع قلب الله.
  • هو أن تكون نقي النية، مستقيم السلوك، رحيم القلب، صادق القول.
  • هو أن تحب ما يحبه الله وتكره ما يكرهه.
  • أن تعيش بالحق والرحمة والعدل، ليس فقط أمام الناس، بل أولًا أمام الله.

في العهد القديم، البر كان مرتبطًا بالطاعة لوصايا الله.
في العهد الجديد، البر يرتبط بالإيمان بيسوع المسيح وبالنعمة المُعطاة لتغيير القلب.

أن الرب "يعلّمك البر" معناه:

  • أنه يدخل في علاقة مستمرة معك، ويعمل في داخلك لتغيير قلبك.
  • يعلمك التمييز بين ما هو طاهر ودنس، عادل وظالم، نافع وضار.
  • يدرّبك على أن تُصغي لصوته، وعلى أن تختار ما يرضيه حتى لو كان صعبًا.
  • لا يعلّمك فقط بالقلم، بل بالأحداث، بالتجارب، بالناس من حولك، وبكلمته.
  • هو عمل روحي داخلي يقودك شيئًا فشيئًا إلى النضج.

لماذا الحرث مهم؟
لا يمكن لأي مزارع أن يحرث أرضه دون أن يعرف ماذا سيزرع فيها. إذا حرثها بدون زرع صحيح، فسيأتي العدو (إبليس) ويلقي بذوره من الأشواك والحسك كما ذكر يسوع في متى : وَفِيمَا ٱلنَّاسُ نِيَامٌ جَاءَ عَدُوُّهُ وَزَرَعَ زُؤَانًا فِي وَسَطِ ٱلْحِنْطَةِ وَمَضَى." (متى 13:25) . لذلك، الحرث هو وقت لطلب الرب، ليفهمنا معنى البرالحقيقي. اليوم، نحن في المسيح قد تبررنا بالدم وليس بأعمالنا الصالحة (تيطس 3:5)، لكن هذا لا يعني أن نهمل عملية الحرث والزرع بل نهيئ قلوبنا باستمرار لاستقبال كلمة الله.

التحضيرالروحي لاستقبال كلمة الرب
عندما نؤمن بيسوع، نهيئ قلوبنا لتكون أرضًا صالحة لاستقبال كلمته، كما قال الرب في يوحنا 15:"أَنَا ٱلْكَرْمَةُ وَأَنْتُمُ ٱلأَغْصَانُ. ٱلَّذِي يَثْبُتُ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ هٰذَا يَأْتِي بِثَمَرٍ كَثِيرٍ." لذلك، لا تدع أرض حياتك تُزرع فيها بذور النفاق والفساد، فتحصد كذبًا وإثمًا. لا تعتمد على قوتك الذاتية في التعامل مع الأمور، بل ضع ثقتك الكاملة في الرب، لأنه وحده قادر أن يعطي النمو (1 كورنثوس3:7).

التطبيق العملي: كيف نحرث قلوبنا!

  • الفحص الروحي والتوبة: خصص وقتًا يوميًا للصلاة والتوبة عن كل ما قد يعيق علاقتك بالله. (مزمور 139:23-24)
  • إزالة الأشواك: ابتعد عن الخطايا والعادات التي تمنعك من النمو الروحي. (عبرانيين 12:1)
  • غرس كلمة الله في القلب: اجعل قراء الكتاب المقدس جزءًا أساسيًا من حياتك اليومية. (يشوع 1:8)
  • ممارسة البر: لا تكتفِ بسماع الكلمة، بل طبقها عمليًا في حياتك. (يعقوب 1:22)
  • الاعتماد على الله: لا تقلق إن لم ترَ الثمر سريعًا، فالرب يعطي الحصاد في وقته المحدد. (غلاطية 6:9)

صلاة ختامية

يا رب، اجعل قلبي أرضًا صالحة لكلمتك.انزع مني كل الأشواك التي تخنق الحق، وساعدني على زراعة البر في حياتي اليومية.
علمني كيف أعيش في طاعتك، وأثمر ثمرًا يمجد اسمك. أعطني القوة لأتكل عليك وحدك، لا على قوتي الذاتية. باسم يسوع المسيح، آمين.


LANA JESUS#