آمن بكلمة فحدثت المعجزة

طلب يائس وإيمان عظيم

في عالمٍ تكثر فيه الأصوات والوعود، كم من مرة نجد أنفسنا بحاجة إلى كلمة واحدة فقط تغيّر الواقع؟، في إنجيل يوحنا (4:46-54)، نقف أمام قصة قصيرة لكنها مشبعة بالمعاني الروحية والإنسانية العميقة. إنها قصة رجلٍ روماني، مسؤول ملكي رجل ذو نفوذ وسلطة، لكن في تلك اللحظة لم يكن يبحث عن مجد أو سلطان، بل كان أبًا مكسور القلب، يائسًا أمام مرض ابنه المشرف على الموت.، حمل قلب أبٍ مثقل بالألم، وركض عبر المسافات لا بحثًا عن معجزة، بل عن يسوع نفسه، الكلمة الحية. نرى مشهدًا مليئًا بالإيمان العميق والثقة المطلقة في كلمة المسيح.

سمع هذا الرجل عن يسوع، ذاك المعلم الذي يصنع العجائب، فترك كل شيء وراءه وسافر من كفرناحوم إلى قانا الجليل، حيث كان يسوع، قاطعًا مسافة طويلة بحافز واحد فقط—رجاء ضعيف أن يجد شفاءً لابنه. لم يتردد في كسر حواجز المجتمع والاختلافات الدينية، ولم يهتم بما قد يظنه الآخرون عن مجيئه إلى معلم يهودي طلبًا للنجدة.

بكل اتضاع، طرح كرامته جانبًا وتوسل إلى يسوع قائلاً:

"يَا سَيِّدُ، ٱنْزِلْ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ ٱبْنِي!" (يوحنا 4:49)

كان يرجو أن يأتي يسوع معه، أن يضع يده على الطفل، أن يفعل أمرًا يُرى بالعين. لكن يسوع، العارف بقلوب الناس، لم يذهب معه، بل قال له ببساطة:

"اُذْهَبْ، ٱبْنُكَ حَيٌّ!" (يوحنا 4:50)

تُرى، ماذا كان بإمكان هذا الرجل أن يفعل؟ كان بإمكانه أن يصر على أن يأتي يسوع معه، أو أن يشك في كلامه.هل سيبقى هذا الرجل مصرًا على أن يرى المعجزة بعينيه، أم سيؤمن بكلمة وحدها؟ لحظة من الصمت، ربما لحظة من التردد، لكنه في النهاية آمن بالكلمة وانصرف. لكن الكتاب يقول:

"فَآمَنَ ٱلرَّجُلُ بِٱلْكَلِمَةِ ٱلَّتِي قَالَهَا لَهُ يَسُوعُ، وَذَهَبَ فِي طَرِيقِهِ." (يوحنا 4:50)

لم يحتج إلى أن يرى آية بعينيه، بل أخذ كلمة يسوع وكأنها وعدٌ لا يتغير.

الإيمان قبل العيان

في طريق العودة، وقلبه ممتلئ برجاء لم يُختبر بعد، قابله عبيده على الطريق، وأخبروه بالأخبار التي طالما تاق لسماعها: "ٱبْنُكَ حَيٌّ!" (يوحنا 4:51). وعندما سألهم متى بدأ يتحسن، علم أنه كان في اللحظة ذاتها التي نطق فيها يسوع بتلك الكلمة الحية، الكلمة التي تحيي وتمجد الله.

لم يكن في حاجة إلى علامات مرئية، ولا إلى أن يرى يسوع يلمس الطفل. لم يُمنح سوى كلمة واحدة، لكنه وضع فيها كل ثقته، فكانت له شفاءً ومعجزة.

هل نؤمن دون أن نرى؟

في كثير من الأحيان، نطلب من الله استجابة فورية لصلواتنا، لكن الله يعمل بطرق تفوق إدراكنا. قد لا نرى الاستجابة فورًا، وقد لا تحدث بالطريقة التي نتوقعها، لكن هذا لا يعني أنها غير موجودة.

كما قال يسوع في (مرقس 11:24):

"لِذلِكَ أَقُولُ لَكُمْ: كُلُّ مَا تَطْلُبُونَهُ حِينَ تُصَلُّونَ، فَآمِنُوا أَنَّكُمْ تَنَالُونَهُ، فَيَكُونُ لَكُمْ."

الإيمان ليس مجرد كلمات، بل هو يقين داخلي وثقة بأن الله قادر على كل شيء، حتى لو لم نرَ العلامات الفورية. يسوع يعلم أن الإيمان الحقيقي لا يقوم على العيان، بل على الثقة المطلقة بكلمته. كما قال الرسول بولس:

"لِأَنَّنَا نَسْلُكُ بِٱلْإِيمَانِ، لَا بِٱلْعِيَانِ." (2 كورنثوس 5:7)

الله لا يحتاج أن يعمل بنفس الطريقة في كل مرة. أحيانًا يلمسنا بشفاء مرئي، وأحيانًا يمنحنا معجزة داخلية تغير حياتنا دون أن نرى شيئًا ملموسًا. لكن المعجزة الأعظم هي الإيمان بكلمة الله قبل أن نرى، لأن ذلك يبني علاقة حقيقية، مبنية على الصخر الذي لا يتزعزع.

"طُوبَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَرَوْا!" (يوحنا 20:29)

اجعل إيمانك مبنيًا على كلمة الله

كما وثق الرجل بكلمة يسوع دون أن يرى شيئًا، نحن أيضًا مدعوون للثقة بالله في كل ظروف حياتنا. حتى لو لم نرَ التغيير الفوري، فلنتذكر أن الإيمان لا يعتمد على العيان، بل على ثقتنا بأن الله يعمل دائمًا للخير.

هل أنت مستعد اليوم أن تؤمن بكلمة الله وحدها، حتى قبل أن ترى؟

صلاة: يا رب، زد إيماننا!

يا يسوع، نحن مثل هذا الرجل، نأتي إليك بقلوب مثقلة، نطلب لمسة، نبحث عن استجابة، لكننا أحيانًا نريد أن نرى قبل أن نؤمن. علِّمنا يا رب أن نثق بكلمتك وحدها، حتى عندما لا نرى الأمور تتحرك أمامنا. زد إيماننا لنكون مثل هذا الرجل، نؤمن ثم ننصرف بسلام، عالمين أنك أمين، وأن كلمتك حياة وحق. آمين.

LANA JESUS#